ســر وجــودي توأم روحـــــي
اهلا وسهلا بك عزيزي الزائر يسعدنا تواجدك معنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ســر وجــودي توأم روحـــــي
اهلا وسهلا بك عزيزي الزائر يسعدنا تواجدك معنا
ســر وجــودي توأم روحـــــي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
~~اهـــلاً وســهـلاً بــك عــزيــزي الـــزّائــر يســعدنـا تــواجــدك مــعـنا~~ 

تكــريـــم

اذهب الى الأسفل

تكــريـــم  Empty تكــريـــم

مُساهمة من طرف سر وجودي توأم روحي الجمعة 6 يوليو - 3:18:24




لم يعد إلى الجامعة منذ تخرجه. فاجأته دعوتهم له لتكريمه بعد كل هذه السنوات الطويلة.

لم يكن ينوي الذهاب، لكنه غير رأيه في اللحظة الأخيرة. تفحص الحارس هويته بعناية. وجد اسمه مدرجا على لائحة المدعوين. سمح له بالمرور. زخات ناعمة من المطر لامست بحنان تربة الأرض العطشى. إمتزجت رائحتها برائحة مألوفة. جاء صوت المغني مرددا: "أنا كل ما تنفست عم بتنشقك". تنفس بعمق. أغمض عينيه ورأى عينيها العسليتين، يحددهما خط أخضر يزداد اخضرارا كلما غاص فيه. خرجت من الذاكرة، تسللت إلى جوفه. إنتعش. لمست قرارة قلبه، "خربطته"، عبثت بعاداته القديمة والجديدة.

كانت تجلس، ذلك اليوم، على حافة الرصيف تعبث بكتاب في يدها. أحست بقدومه رفعت رأسها، راقبته يقترب، إبتسمت. جلس بجانبها. حدثها، لم يعد يذكر عن ماذا. لمس يدها بعفوية متعمدة فهوى شيء في داخله. شعر بروحه ترتعش. تمنى أن يدوم ذلك الشعور إلى الأبد. فكر ستتفجر أقواس قزح لو ضمها إليه، لو ذابت فيه. أخرج ورقة مطوية من جيب معطفه كان قد انتزعها من "رزنامة" معلقة على جدار الحائط في غرفته. فتحها بتأن. أشار إلى صورة طفلة جميلة في سلة بين حقول من الورد البري بألوان الربيع. أعلن: "هكذا ستبدو إبنتنا." أزاح شعرة هاربة عن وجهها. شعرت بأصابعه تحرق وجنتها وتترك عليها وشمهُ. خيل لها أنها تولد من جديد. تحدثا عنهما وعن العالم وعن صباح أكثر إشراقا يبنيان فيه بيتا بين حقول القمح وحدائق الورد والنرجس والياسمين.

سارا باتجاه البوابة الرئيسة نحو الحافة المتجهة إلى وسط البلد. أقنع نفسه بأن تأزُم الأمور في الجامعة بعد اعتصام الأمس للمطالبة بالإفراج عن الطلاب الذين تم اعتقالهم إثر المظاهرات الأخيرة سيرجعهم عن اعتقاله اليوم. لا بد أنهم لم يتوقعوا ردود الفعل تلك. ماداموا لم يعتقلوه اليوم في حرم الجامعة بعد الإعتصام، فلابد أنهم يؤجلون اعتقاله حتى تهدأ الأمور. بدأت الحافلة تمتلئ بالركاب. صعد شرطي وسار نحوه. أحس بها ترتعش بجانيه. طلب منه الشرطي مرافقته. إجتاحته رغبة عارمة بالتحدي، لكنه خاف عليها وعلى بقيّة الطلاب من العقاب الجماعي، فقرر النزول. لم يكن لديه الوقت ليفكر. كان تفكيره محصورا بها. ألقى عليها نظرة خاطفة. رأى الدموع تسح على وجنتيها بصمت. سحبه الشرطي من ذراعه وقاده إلى سيارة الشرطة الواقفة قرب الحافلة. مضت السيارة مسرعة تشق الطريق نحو "فندق أبو رسول"، العمارة الزرقاء التي يشغلها مبنى المخابرات القديم في العبدلي.

أنزله الشرطي سلما يقود إلى طابق تحت الأرض. جلس في بهو شبه معتم وحيدا ينتظر. توقف الزمن عن الحركة. أدخله غرفة المحقق. سأله المحقق عن أخبار عائلته وأقاربه وأصدقائه والرفاق. كان من الواضح أنه يعرف كل تفاصيل حياتهم. أجاب إجابات مقتضبة. ثم سأله عنها وأضاف، " كل ما نريد منك أسماء الرفاق وتعهد بأن تترك العمل الحزبي، ونعيدك لها سالما. " شعر بروحه ترجف. فكر، " لماذا تعمد زجها في السؤال؟". أراد أن يقول شيئا وينهي الجلسة، لكنه صمت. تصاعدت حدة الجلسات وبقي صامتا. تحول الصمت إلى تحدٍ كلما زادت ضربات عصيهم ورفسات أحذيتهم الثقيلة على جسده المنهك. وحين قرر لسبب يجهله أن يرد على شتائمهم بالمثل علقوه في المرحاض، بالوا عليه. تركوه منقوعا ببولهم وبرازهم وشتائمهم وغضبهم. تمنى لو يهرب من جسده إاليها ويضيع في عطرها إلى الأبد.

أخرجوه بعد ثلاثة أشهر. لم يعرف لماذا. توقفت حفلات التعذيب فجأة. كان يترقب قدومهم كلما سمع خطوات شرطي في باحة السجن. لكنهم لم يأتوا إلا بعد مرور سبعة أيام. ظن أن الحفلات ستبدأ من جديد، لكن بدل ذلك وجد نفسه يمر بإجراءات الإفراج ويخرج.

زغردت أمه وتساءل الرفاق عن ملابسات خروجه، وبقيت هي تلثم جراحه وتحثه على الحياة. ترك العمل الحزبي. تخرج. عمل، ونجح، وها هم يحتفلون بنجاحه بعد أكثر من ربع قرن ويكرمونه بعد أن أنشأت شركته جناحا خاصا بمستشفى الجامعة وزودته بأحدث المعدات.

مضى على تخرجه أكثر من ربع قرن. بدت الجامعة ذلك المساء كما يعرفها. الحافلة المتجهة نحو وسط البلد تنتظر ركابها. البوابة بقببها الخضراء، عتيقة بعض الشيء. شجرالسرو شامخاً على حواف طريق كفتيريا التجارة. قاد سيارته الجديدة ببطء. أعادته الأماكن المألوفة إلى تفاصيل أيامه فيها. مر بالدوار المؤدي إلى عمادة الجامعة. سرت رعشة باردة في جسده. توقدت مشاعره وغمره إحساس عارم بالحنين والخوف. وصل إلى موقف السيارات المخصص للزوار بجانب مبنى الجامعة الرئيس. نظر إلى ساعته بعصبية. إنتابه قلق مفاجيء. بدا نجاحه الذي يحتفلون به اليوم، منصبه في الشركة، العملاء، الموظفون، حسابات البنوك المحلية والأجنبية، وكل الإلتزامات الأخرى، ثانويا للغاية. رن هاتفه الجوال. جاء صوت مضيفه معاتباً: أين أنت يا رجل؟ حان وقت التكريم، ينتظرونك. مشى بخطى متثاقلة نحو مبنى القاعة، وظل يتلفت حوله باحثا عنها. وصل المدخل، رآها تنتظره. ركضت الصبية الواقفة بجانبها نحوه، وضعت رأسها على صدره، وهمست في أذنه: "لماذا تأخرت يا بابا؟ الجميع ينتظرونك". بدا وجهها بجمال طفلة في سلة بين حقول من الورد البري بألوان الربيع. نظر إلى زوجته. إبتسمت. إنتشر في المكان عبق الفل والنرجس والياسمين. سار معهما بخطى واثقة إلى قاعة الإحتفال.


سر وجودي توأم روحي
سر وجودي توأم روحي
الــمــديــر الــعــام
الــمــديــر الــعــام

ذكر
عدد المساهمات : 3952
تاريخ التسجيل : 16/07/2011
العمر : 36
الموقع : taw2mrw7i.yoo7.com

https://taw2mrw7i.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى