من لبنان وإلى لبنان
ســر وجــودي توأم روحـــــي ::
من لبنان وإلى لبنان
أكاد أعمّد جسدي في ماء بحرك حتى أشفى وأعود مهرة صبيّة
بوسعها أن تركض قروناً أخرى فوق سهوب الورق الأبيض...
معك يا لبنان أنسى أنني محكومة بالموت ككل الناس، ففي
ينابيع جبالك ماء الخلود والشباب الدائم...
معك أنسى أن العشب سينمو ذات يوم داخل قفصي الصدري
الهشّ الذي يخفق الآن بحبك...
معك أنسى أنه لن يتبقى من أصابعي التي تسطّر لك رسائل
الحب سوى سلاميات عارية يركض عليها النمل، ويتخللها ماء
المطر البارد في ليل مقبرة باريسية.
معك أتحوّل من امرأة إلى غيمة.
لم أكن أدري أن لي أنا أيضاً دموع فرح، إلا بعدما وطئت
مطارك بعد سبعة قرون من الفراق أو سبع ثوانٍ، ويزعم جواز
سفري أنها سبعة أعوام...
كنت اظن الشموع وحدها تبكي ليلاً، حتى وعيت معنى
فراقك... فماذا أهديك في العيد؟
أهديك غابات لم تستبدل أشجارها بغابات أسمنت...
وشوارع نظيفة من "الثورجية" ومجانين "الكلاشنكوفات الزواريبية
الوطنجية".
أهديك رجالاً يفعلون ما يقولون بعيداً عن أقنعة الكرنفالات
السياسية وتانغو الأهواء: خطوة إلى الأمام وقرناً إلى الوراء...
رجالاً يتحدثون عن الوفاق بلا وفاق.
أهديك نساء بلا خوف من الكمامة والسياط وبلا ضعف أمام
الطواويس الشهريارية؛ نساء يطالبن بحق الخطأ لا الخطيئة...
أهديك بيوتاً لم يسمع قرميدها أنين سجين، ومدارسَ لم
تتحوّل إلى ثكنات حربية. حدائق بلا ألغام، يقهقه بين أزهارها
الأطفال ولا يلعبون بالجماجم... وبيوت عبادة لا ترفع
الصلوات لغير الخالق العظيم وبلا ناطقين رسميين باسمه، وأفراناً
لم تصبح متاريس عداء تبيع الخبز المسموم.
أهديك مقاهي أدباء لها جدران بلا آذان. مجالس حوار لا
ديك "أوحداً" فيها ولا بطل فكرياً ملهماً.
أهديك عشاقاً لشاطئ الكورنيش يخبئون في أعينهم النجوم
وهم يتجرعون القهوة، في جيوبهم تطير الفراشات الملونة كما
في فضاء، وأقفاصهم الصدرية مليئة بعصافير تغرد ألحاناً نقلها
موزار في سرقات فنية باهرة.
أهديك الشواطئ المقمرة بلا مهربي مخدرات، ومطارات
بلا خاطفين.
أهديك في العيد راحة البال بدلاً من المال، أهديك النسيان
والصحو في آن، وأتمنى لو أهديك أثمن ما في الكون:
الحرية... الحرية... الحرية.
ولكن الحرية وحدها ترفض تعليبها وصرّها بالشرائط الحريرية
الملونة وإهداءها.
الحرية لا تُعطى ، وعليها أن تنبت على رمال شواطئك
وجبالك ووديانك... فهل سترعاها؟
وما الذي ستهديه لعشاقك مثلي؟
رصاصة؟
ســر وجــودي توأم روحـــــي ::